الصفحة 2 ادولف هتلر

تكميل البحث......

وفي المؤتمر الذي استغرق يومًا واحدًا وتم عقده في ميونيخ وحضره كل من هتلر ولتشامبرلين ودالادييه وموسوليني، تم توقيع معاهدة ميونيخ التي استجابت لطلبات هتلر الظاهرية ونقلت تبعية المناطق الموجودة في ستودينتلاند إلى ألمانيا[72]. وبما أن لندن وباريس كانتا قد وافقتا بالفعل على فكرة نقل تبعية المنطقة المتنازع عليها في منتصف شهر سبتمبر، فإن المؤتمر قد تناول في يوم واحد المحادثات الخاصة بالمسائل الفنية المتعلقة بكيفية تنفيذ عملية نقل التبعية. كما ناقش المؤتمر التنازلات البسيطة التي سيقوم بها هتلر والتي تتمثل في أن تتم عملية نقل التبعية في غضون عشرة أيام في شهر أكتوبر بتفويض دولي يراقب عملية نقل التبعية، وستنتظر ألمانيا حتى يتم تسوية الإدعاءات المجرية والبولندية[73]. وفي ختام المؤتمر، وقع هتلر معاهدة صداقة ألمانية بريطانية علق عليها تشامبرلين آمالاً كبيرة بينما لم تكن لهذه المعاهدة لدى هتلر أدنى أهمية[74]. وعلى الرغم من أن تشامبرلين كان راضيًا عن مؤتمر ميونيخ؛ الأمر الذي أدى إلى إدعائه الزائف بأن هذا المؤتمر قد ضمن "تحقيق السلام في الوقت الراهن"، فإن هتلر كان من داخله يشعر بالغضب الشديد لاضطراره "التخلي" عن الحرب التي كان يصبو إلى شنها في عام 1938[75][76]. وكنتيجة للقمة التي تم عقدها، فاز هتلر في استفتاء مجلة تايم بلقب رجل العام وذلك في عام 1938[77].

وقد رحب رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين، بهذه المعاهدة باعتبارها "مبادرة للسلام في الوقت الراهن"، ولكن أثناء مساعيهم لاستمالة هتلر وكسب رضائه، تركت كل من فرنسا وبريطانيا تشيكوسلوفاكيا تحت رحمة هتلر[72]. وبالرغم من أن هتلر كان قد أعلن على الملأ عن سعادته الغامرة إثر تحقيق مطالبه الظاهرية، فإنه كان قد عقد عزمه سرًا على الدخول في حرب في المرة القادمة التي يتاح له فيها ذلك حتى يتأكد من أن مطالب ألمانيا المستقبلية قد تم الحصول عليها[78]. ورأى هتلر من وجهة نظره أن مبادرة السلام التي توسطت فيها بريطانيا كانت بمثابة هزيمة دبلوماسية لألمانيا بالرغم من أنها تخدم بشدة مطالب ألمانيا الظاهرية؛ وذلك لأنها أثبتت أن أحلامه للتوسع في الشرق لن تتحقق إلا بالقضاء على قوة بريطانيا[79]. وفي أعقاب معاهدة ميونيخ، شعر هتلر أنه نظرًا لأن بريطانيا لن تتحالف مع ألمانيا أو تلتزم الحياد مما يسمح لألمانيا بتحقيق طموحاتها في القارة الأوروبية، فقد أصبحت تُشكل تهديدًا رئيسيًا لألمانيا. وهكذا، حلت بريطانيامحل الاتحاد السوفيتي في ذهنه باعتبارها العدو الرئيسي للرايخ من وجهة نظر هتلر؛ الأمر الذي يستلزم إعادة توجيه السياسات الألمانية[53][80][81][82]. وفي خطبة له في التاسع من أكتوبر عام 1938 في مدينة ساربروكين (بالألمانيةSaarbrücken)، أعرب هتلر عن خيبة أمله تجاه معاهدة ميونيخ عندما هاجم شخصيات اعتبرهم من المحافظين الذين لا يسعون أبدًا إلى تهدأة الأوضاع وهم وينستون تشيرشل وألفريد داف كوبر وانتوني إيدن والذين وصفهم بأنهم زمرة من مثيري الحرب المعادين لألمانيا والذين سيهاجمون ألمانيا في أول فرصة تسنح لهم. وعبر عن اعتقاده أن هؤلاء الأشخاص من الممكن أن يتقلدوا زمام الأمور في بريطانيا في أية لحظة[80]. وفي نفس الخطاب، أعلن هتلر: "نحن الألمان لن نتحمل بعد اليوم هذا التدخل الذي يفرض سلطته علينا. يجب على بريطانيا أن تلتفت لشئونها هي فقط وتهتم بحل مشكلاتها هي فقط"[83] وفي نوفمبر من عام 1938، أمر هتلر بإطلاق حملة دعائية كبرى ضد بريطانيا تم فيها استخدام عبارات التجريح التي تستنكر "سياسة النفاق" التي تنتهجها بريطانيا للحفاظ على إمبراطوريتها في جميع أنحاء العالم بينما تسعى لمنع الألمان من تكوين إمبراطوريتهم الخاصة[84]. وتم تخصيص جزء من هذه الحملة الدعائية لانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها بريطانيا في تعاملها مع انتفاضة العرب في كل منفلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني وفي الهند، وكذلك سياسة النفاق التي انتهجتها بريطانيا في انتقادها لحادثة ليلة الزجاج المحطم (بالألمانيةKristallnacht)؛ التي وقعت فينوفمبر من عام 1938[85]. ويشير هذا إلى تحول هائل عن الأفكار التي سادت خلال السنوات الأولى من عهد الرايخ الثالث عندما كانت وسائل الإعلام الألمانية تقدم الإمبراطورية البريطانية في صورة رائعة ومميزة. وفي نوفمبر من عام 1938، صدر أمر لوزير الخارجية جواشيم فون ريبنتروب بتحويل اتفاقية مكافحة الشيوعية إلى تحالف عسكري مفتوح مناهض لبريطانيا يكون مقدمة لإعلان الحرب على كل من بريطانيا وفرنسا.[86] وفي السابع والعشرين من يناير في عام 1939، وافق هتلر على تنفيذ الخطة التي عرفت باسم "الخطة زي"، وهو برنامج للتوسع البحري يستمر لمدة خمس سنوات ويدعو إلى تأسيس قوات بحرية ألمانية بحلول عام 1944 تضم عشرة بوارج وأربع حاملات للطائرات وثلاثة طرادات مقاتلة وأربعة وأربعين طرادة خفيفة وثمان طرادات ثقيلة وثمانية وستين مدمرة ومائتين وتسعة وأربعين غواصة ألمانية وذلك بهدف سحق البحرية الملكية البريطانية.[87] ويمكن أن نلمس أهمية هذه الخطة من خلال الأوامر التي أصدرها هتلر والتي تقضي برفع القوات البحرية الألمانية من المرتبة الثالثة إلى المرتبة الأولي من حيث الأحقية في الحصول على المواد الخام والأموال والعمالة الماهرة[88]. وفي ربيع عام 1939، أصدر هتلر أوامره إلى القوات الجوية الألمانيةبالبدء في بناء قوة استراتيجية من قاذفات القنابل يكون هدفها هدم المدن البريطانية هدماً تاماً[80]. واستدعت خطط هتلر لحربه ضد بريطانيا وجود سلاح هجومي مشترك بين القوات البحرية الألمانية والقوات الجوية الألمانية يقوم بتوجيه "ضربات إبادة سريعة" على المدن وسفن الشحن البريطانية لأنه من المتوقع "أن تستسلم بريطانيا وتعلن الخضوع في اللحظة التي يتم فيها قطع الإمدادات عنها". وتوقع هتلر أن تفوق تجربة الحياة في إحدى الجزر البريطانية تحت وطأة الحصار والمجاعة ونيران القذف قدرة الشعب البريطاني على الاحتمال[80].


وفي نوفمبر من عام 1938، ذكر هتلر في أحد خطاباته السرية التي ألقاها أمام مجموعة من الصحفيين الألمان أنه كان مكرهاً على الحديث عن السلام باعتباره الهدف الذي يسعى إليه من أجل أن يتمكن من الوصول إلى مستوى إعادة التسلح "الذي كان يعتبر مطلبًا ضروريًا، بالنسبة للمرحلة القادمة". وفي نفس الخطاب، أعرب هتلر عن تذمره نظراً لأن الدعاية الخاصة بالسلام التي أطلقها في الخمس سنوات السابقة قد حققت نجاحًا كبيرًا، وإنه قد حان الوقت الآن لكي يخرج على الشعب الألماني بفكرة الترويج للحرب.[89]. وأوضح هتلر أن "التجربة العملية قد برهنت على أن الدعاية التي روجت للسلام في العقد السابق كانت فكرة محفوفة بالمخاطر لأنها من السهل جدًا أن تقنع الشعب بأن الحكومة الحالية تلتزم بقرارها وبنواياها للحفاظ على السلام تحت كل الظروف". وعوضًا عن ذلك، دعا هتلر إلى وجود نوع جديد من الصحافة "تقع على عاتقه مسئولية تقديم وقائع معينة في السياسة الخارجية بأسلوب يجعل صوت الشعب نفسه يعلو بالهتاف بضرورة البدء في استخدام القوة".[90]. وفي وقت لاحق من نوفمبر في عام 1938، أعرب هتلر عن خيبة الأمل التي كان يشعر بها من تلك النصائح الحريصة التي كان يتلقاها من بعض الجهات [91][92]. وأطلق هتلر على كل من الخبير الاقتصادي كارل فريدريش جويردلر والجنرال لودفيج بيك ودكتور هيلمار شاخت والدبلوماسيأولريش فون هاسل ورجل الاقتصاد ردولف برينكمان اسم "دوائر التفكير الحريص أكثر من اللازم"، فقد حاولوا عرقلته عن إتمام مهمته عبر مناشدته بتوخي الحذر في تصرفاته. وكانت حاجة هتلر إلى مهاراتهم، هي التي منعته من "التخلص منهم في يوم من الأيام أو القيام بشيء من هذا القبيل" [91][93]
وفي ديسمبر من عام 1938، تسلمت مستشارية الفوهرر برئاسة فيليب بوهلر خطابًا يتعلق بطفلة تدعى صوفيا كناور مصابة بعجز بدني وذهني شديد وتعيش في مدينةليبزيج[94]. في تلك الفترة، كانت هناك منافسة شرسة بين مكتب بوهلر، ومكتب مستشارية الرايخ الذي يرأسه هانز هيانريش لامرز، والمستشارية الرئاسية بزعامة اوتو مايسنر، ومكتب الضابط المساعد لهتلر فيلهيلم بروكنر، ومكتب نائب الفوهرر الذي كان يسيطر عليه عمليًا مارتن بورمان على السعي لنيل الحظوة عند هتلر[94]. وكجزء من لعبة القوة التي يستخدمها ضد خصومه، قدم بوهلر الخطاب الذي يتعلق بالطفلة المعاقة إلى هتلر الذي أعرب عن شكره لبوهلر لأنه أطلعه على هذا الأمر، وكان رده على هذا الخطاب هو توجيه أمر إلى طبيبه الشخصي د.كارل براندت بقتل الطفلة[94]. وفي يناير من عام 1939، أمر هتلر كل من بوهلر ود.براندت بالبدء منذ تلك اللحظة في قتل جميع الأطفال المعاقين الذين يولدون في ألمانيا[94]. وكان ذلك هو أصل برنامج القتل الرحيم. ونتيجة لذلك، أخذ كل من د.براندت وبوهلر يتصرفان دون الرجوع لهتلر، في محاولة لكسب رضاه حيث قاموا بالتوسع في عملية القتل وفقًا لبرنامج القتل الرحيم لقتل جميع الأطفال المعاقين بدنيًا أو ذهنيًا في ألمانيا كمرحلة أولى ثم قتل البالغين المعاقين كلهم بعد ذلك[94].
وفي أواخر عام 1938 وبدايات عام 1939، أدت الأزمة الاقتصادية المستمرة التي سببتها مشكلات عملية إعادة التسلح خاصةً تلك المشكلة التي تتعلق بنقص العملات الصعبة التي كانت تحتاج إليها ألمانيا لشراء المواد الخام التي كانت تنقصها، بالإضافة إلى التقارير التي وردت من جورينج بشأن استحالة تنفيذ الجدول الزمني المقرر "لخطة السنوات الأربعة" بهتلر إلى أن يضطر في يناير من عام 1939 إلى أن يصدر على مضض أمرًا ينص على تخفيض حصص المواد التي تلزم قوة الدفاع؛ بحيث يتم تخفيض حصة الصلب بنسبة ثلاثين بالمائة، والألومنيوم بنسبة سبعة وأربعين بالمائة، والأسمنت بنسبة خمسة وعشرين بالمائة، والمطاط بنسبة أربعة عشر بالمائة، والنحاس بنسبة عشرين بالمائة[95]. وفيالثلاثين من يناير عام 1939، ألقى هتلر خطابًا تحت عنوان "التصدير أو الموت" يدعو فيه إلى بناء اقتصاد ألماني "هجومي" (أو "معركة الصادارت" كما أطلق عليها هتلر) من أجل زيادة ما تملكه ألمانيا من العملة الأجنبية والتي تحتاج إليها لشراء المواد الخام مثل الحديد عالي الجودة اللازم للمواد العسكرية. وعُرف هذا الخطاب أيضًا باسم "خطاب النبوءة". ويأتي الاسم الذي عرف به هذا الخطاب من "نبوءة" هتلر التي صرح بها في الجزء الأخير من خطابه،
   
أدولف هتلر
هناك شيء واحد أود أن أقوله في هذا اليوم وأود أن يبقى محفورًا في ذاكرة الآخرين وفي ذاكرتنا نحن الألمان: على مدى مشوار حياتي، أتاحت لي الظروف في أحيان كثيرة أن أتنبأ ببعض الأمور التي سخر مني الآخرين عندما صرحت بها. وأثناء كفاحي للوصول إلى السلطة، كان اليهود هم أول من قابل نبواءتي بقدر من السخرية خاصةً عندما صرحت بإنني سأتولى زعامة الدولة في يوم من الأيام، وزعامة الأمة بأسرها، وإنني سأتمكن حينها من تسوية مشكلة اليهود وأقوم بالكثير من الأمور الأخرى. وكانت ضحكاتهم صاخبة، ولكنني أظن إنهم يسخرون منذ فترة طويلة من الوقت على ما لا ينبغي السخرية منه. اسمحوا لي اليوم أن أخبركم مرةً أخرى بواحدة من نبوءاتي. فإذا نجحت القوى المالية اليهودية خارج أوروبا في إقحام الأمم مرةً أخرى في حرب عالمية جديدة، فإن النتيجة لن تكون سيادة البلشفية في كل أرجاء الأرض فحسب - وبالتالي تحقيق اليهود للنصر - بل ستكون هلاك العرق اليهودي في أوروبا![96]
   
أدولف هتلر
ولقد دار جدال تاريخي مهم حول خطاب هتلر المعروف باسم "خطاب النبوءة". فالمؤرخون أمثال ايبرهارد جاكيل الذين يعتقدون أن هتلر كان يعني تمامًا ما قاله في خطابه يعتقدون أنه على الأقل منذ إلقاء خطاب النبوءة فإن هتلر كان قد وضع نصب عينيه تنفيذ عمليات إبادة جماعية لليهود كهدف رئيسي يسعى لتنفيذه[97]. وقد قال كل من لوسي داويدوفيتش وجيرالد فليمينج أن هذا الخطاب أفسح المجال أمام هتلر للتصريح بأنه بمجرد إعلانه للحرب العالمية، فإنه سيستخدمها كستار لمخططاته الموجودة سابقًا لإبادة اليهود تمامًا. وأغفل كل من كريستوفر براونينج وجهتي النظر المتعارضتين بشأن الحقيقة التاريخية الخاصة بالهولوكست؛ والتي تقول أحدهما بإن أوامر الهولوكست قد صدرت من بعض مرؤوسي هتلر وإنه لم تكن لديه أبدًا النية لعمل ذلك، بينما تقول وجهة النظر الثانية بإن هتلر كانت لديه النية المبيتة منذ توليه الحكم لإبادة اليهود في الهولوكست. هذا التفسير زعمًا منهم بأنه إذا كان هتلر صادقًا في نواياه التي عبر عنها في خطابه ما كان استمر في تأجيل حكم الإعدام الذي نوى أن ينفذه ضد اليهود لمدة ثلاثين شهراً؛ وهي الفترة ما بين اندلاع الحرب العالمية الثانية في سبتمبر من عام 1939 وافتتاح أول معسكر اعتقال لإبادة اليهود في أواخر عام 1941[98]. علاوةً على ذلك، أشار براونينج إلى وجود خطة مدغشقر (بالإنجليزية: Madagascar Plan) في الفترة ما بين عامي 1940 و1941 وغيرها من المخططات الأخرى التي تبرهن على أنه لم تكن هناك خطة رئيسية موضوعة بهدف الإبادة الجماعية لليهود. هذا ويرى براونينج أن خطاب النبوءة كان مجرد محاولة للتظاهر بالشجاعة من جانب هتلر وأن هناك رابط ضعيف بين هذا الخطاب وبين الكشف الفعلي عن حقيقة السياسات المعادية للسامية التي كان يؤمن بها.
وعلى الأقل يتمثل جزء من السبب الذي دفع هتلر إلى انتهاك معاهدة ميوينخ - عندما قام بالاستيلاء على النصف التشيكي من تشيكوسلوفاكيا في مارس من عام 1939 - في رغبته في الحصول على مصادر جديدة للثروة والقوة تساعده في التغلب على أزمته الاقتصادية[99]. وأصدر هتلر أوامره إلى الجيش الألماني بدخول براغ في الخامس عشر من مارس في عام 1939 بدخول قلعة براغ التي أعلن منها أن منطقتي بوهيميا (بالاتشيكية:Bohemia) ومورافيا(بالاتشيكية:Moravia) قد أصبحتا تحت الحماية الألمانية.

بداية الحرب العالمية الثانية



كانت هناك ضرورة حتمية من وجهة نظر هتلر - من منطلق منهجه في معاداة بريطانيا - لضم بولندا إلى جانب ألمانيا باعتبارها دولة تابعة أو حتى دولة محايدة في هذا الصراع. واعتقد هتلر أن تحقيق ذلك يمثل ضرورة على الصعيد الاستراتيجي من ناحية لأنه يضمن تأمين الجانب الشرقي للرايخ، وعلى الصعيد الاقتصادي من ناحية أخرى لتجنب الأثر السلبي للحصار البريطاني[80]. وكان طموح ألمانيا في المقام الأول ينصب على تحويل بولندا إلى دولة تابعة لها، ولكن مع حلول مارس من عام 1939 وعندما رفضت بولندا المطالب الألمانية ثلاث مرات، عقد هتلر عزمه على تدمير بولندا تنفيذًا للهدف الرئيسي للسياسة الخارجية لألمانيا في عام 1939[100]. وفي الثالث من أبريل لعام 1939، أمر هتلر قواته العسكرية ببدء التجهيز للمخطط المعروف باسم غزو بولندا (بالألمانيةFall Weiss)؛ وهو مخطط يقضي بتنفيذ الغزو الألماني في الخامس والعشرين من أغسطس في عام 1939. وفي أغسطس من عام 1939، تحدث هتلر مع قادته العسكريين عن خطته الرئيسية لعام 1939 فقال: "إقامة علاقة مقبولة بين ألمانيا وبولندا من أجل محاربة الغرب". ولكن نظرًا لأن البولنديين لن يقبلوا بالتعاون مع ألمانيا من أجل إقامة "علاقة مقبولة" (بمعنى أن يوافقوا على أن تصبح بولندا دولة تابعة لألمانيا)، فقد رأى هتلر أنه لن يكون هناك بديل عن محو بولندا من الوجود [101]. وقد أوضح المؤرخ جيرهارد فاينبرج أن شعب هتلر كان يشتمل على مجموعة تؤمن بفكرة تدمير بولندا (فقد كانت المشاعر المعادية لبولندا قوية جدًا في الجيش الألماني)، ولكنهم كانوا أقل رضا عن فكرة الدخول في حرب مع بريطانيا وفرنسا. فإذا كان هذا هو الثمن الذي يجب أن تدفعه ألمانيا من أجل تدمير بولندا، سيكون هتلر قد نجح على الأرجح بخطته تلك في التعبير عما يريده شعبه. وفي مناقشاته الخاصة مع أعوانه، كان هتلر دائمًا ما يصف بريطانيا بأنها العدو الأساسي لألمانيا الذي يجب أن تلحق به الهزيمة. ومن وجهة نظره، كان محو بولندا من الوجود مقدمة ضرورية يجب أن تتم حتى يتمكن من تحقيق الهدف الذي يسعى إليه وهو تأمين الجانب الشرقي من بلاده وإضافة المزيد إلى المجال الحيوي لألمانيا. وشعر هتلر بالإهانة البالغة من "الوعد" الإنجليزي بحماية الاستقلال البولندي الذي تم الإعلان عنه في الحادي والثلاثين من شهر مارس في عام 1939، وأخبر معاونيه أنه "سيسقي البريطانيين من مر الكأس حتى يستجيروا" [88]، وفي خطابه الذي ألقاه في مدينة فيلهيلمسهافن (بالألمانيةWilhelmshaven) بمناسبة تدشين البارجة "Admiral Tirpitz" في الأول من أبريل من عام 1939، هدد هتلر بإلغاء المعاهدة البحرية بين بريطانيا وألمانيا إذا أصر البريطانيين على "سياسة التطويق" والتي تتمثل في "ضمانهم" للاستقلال البولندي[88]. وكجزء من منهجه الجديد، أبدى هتلر تبرمه في خطاب ألقاه أمام الرايخستاج في الثامن والعشرين من أبريل في عام 1939 من "سياسة التطويق" التي تستعملها بريطانيا مع ألمانيا، وأعلن إلغاء كل من المعاهدة البحرية بين بريطانيا وألمانيا ومعاهدة عدم الاعتداء الألمانية البولندية.
ولإيجاد ذريعة للاعتداء على بولندا، طالب هتلر بضم مدينة دانزيج (بالألمانيةDanzig) التي تتمتع بالحكم الذاتي، وكذلك بحقه في إنشاء طرق "إقليمية إضافية" عبر الممر البولندي الذي تم اقتطاعه من ألمانيا رغمًا عنها بموجب معاهدة فرساي. وبالنسبة لهتلر، كانت مدينة دانزيج مجرد ذريعة لتبرير اعتدائه على بولندا تمامًا كما فعل في حالة منطقة ستودينتلاند في عام 1938 وطوال عام 1939. وبينما تم تسليط الضوء على قضية Danzig كأحد شكاوى الألمان، كان الألمان عادةً ما يرفضون الدخول في مناقشات حول هذه القضية[102]. وهكذا، ظهر تعارض ملحوظ في مخططات هتلر بين منهجه طويل الأجل المعادي لبريطانيا - الذي أعد له العدة بالتوسع لحد كبير في "القوات البحرية الألمانية" "والقوات الجوية الألمانية" والذي كان سيستلزم سنوات عديدة حتى يكتمل - وبين سياسته الخارجية الحالية التي انتهجها على مدار عام 1939 والتي كانت ستؤدي على الأرجح إلى اندلاع حرب عامة إثر القيام بأعمال مثل الاعتداء علىبولندا[103][104]. واستطاع هتلر أن يتغلب على التمزق الذي كان يعاني منه بين أهدافه قصيرة الأجل وأهدافه طويلة الأجل بمساعدة وزير الخارجية ريبنتروب، الذي أخبر هتلر بأن فرنسا وبريطانيا لن يلتزما بوعودهما تجاه بولندا، وبالتالي ستكون أي حرب بين ألمانيا وبولندا حربًا إقليمية محدودة.وأرجع ريبنتروب تقديره للموقف بشكل جزئي إلى إحدى العبارات التي زعم أن وزير الخارجية الفرنسي جورج بونيت، قد قالها له في ديسمبر من عام 1938 عندما أخبره أن فرنساالآن تنظر إلى أوروبا الشرقية باعتبارها منطقة نفوذ تخضع لألمانيا وحدها[105]. علاوةً على ذلك، كان منصب ريبنتروب السابق كسفير لألمانيا في لندن سببًا جعل هتلر ينظر إليه باعتباره الخبير النازي الأول في الشئون البريطانية؛ وبالتالي كان لنصيحته عند هتلر وزنها وأهميتها. كذلك، أطلع ريبنتروب هتلر على البرقيات الدبلوماسية التي تدعم تحليله فقط دون غيرها من البرقيات التي لا تساند تحليله[106].
كما أن السفير الألماني في لندن هيربرت فون ديركسن، عمد إلى إرسال تقارير من شأنها دعم تحليل ريبنتروب مثل الرسالة التي حملها موفده في أغسطس من عام 1939 والتي ورد فيها أن نيفيل تشامبرلين يعلم أن "الهيكل الاجتماعي لبريطانيا لن يتحمل الفوضى الناجمة عن الحرب حتى وإن انتصر فيها بالرغم من إيمانه بفكرة الإمبراطورية البريطانية" وبالتالي سيتراجع عن فكرة الحرب[107]. ويمكن ملاحظة الدرجة التي تأثر بها هتلر بنصيحة ريبنتروب من خلال أوامره التي أصدرها ٍإلى الجيش الألماني في الحادي والعشرين من أغسطس في عام 1939 بإعلان حالة تعبئة محدودة ضد بولندا وحدها[108]. واختار هتلر آخر أغسطس كموعد لتنفيذ مخطط Fall Weiss وذلك للحد من الأثر السلبي لإعلان حالة التعبئة على الإنتاج الزراعي الألماني[109]. وكانت المشكلات التي نجمت عن الحاجة لبدء الحملة على بولندا في آخر أغسطس أو بدايات سبتمبر حتى يتم الانتهاء منها قبل موسم هطول الأمطار في شهر أكتوبر، وكذلك حتى تحصل القوات الألمانية على قدر كافِ من الوقت حتى تستطيع الاحتشاد على الحدود البولندية وقد فرضت على هتلر وضعاً وجد نفسه فيه في أغسطس من عام 1939 في أمس الحاجة لتعاون السوفيت معه إذا كان يريد أن يدخل الحرب في  هذا العام.
وكانت معاهدة ميونيخ كافية لتبديد آخر أمل تبقى لدى بعض الدوائر السوفيتيية بالاعتقاد في فكرة "معاهدة الأمن الجماعي" [110]، وفي الثالث والعشرين من أغسطس في عام 1939، وافق جوزيف ستالين على عرض هتلر لإبرام اتفاقية عدم اعتداء (معاهدة مولتوف-ريبنتروب)؛ وهي المعاهدة التي نصت بنودها السرية على الاتفاق على تقسيم بولندا. وتعتبر الأسباب التي تقف وراء خيارات هتلر في مجال السياسة الخارجية في عام 1939 من أهم الموضوعات التاريخية التي يثور الجدال بشأنها. فهناك رأي يقول بإن الأزمة المتعلقة بالبنية الاقتصادية للبلاد هي التي دفعت هتلر لأن "يهرب منها إلى الحرب"؛ وذلك كما يرى المؤرخ الماركسي تيموثي ماسون. وهناك رأي آخر يقول بإن تصرفات هتلر كانت متأثرة بدرجة أكبر بعوامل غير اقتصادية؛ وهو الرأي الذي يتنباه المؤرخ الاقتصادي ريتشارد أوفري[111]. والمؤرخون الذين تجادلوا بهذا الشأن مثل: ويليام كار وجيرهارد فاينبرج وايان كيرشو يعتقدون أن أحد الأسباب غير الاقتصادية التي أدت بهتلر إلى أن يتعجل دخول الحرب هي الخوف المرضي الذي كان يستحوذ عليه من فكرة دنو أجله؛ وبالتالي الشعور بعدم وجود الكثير من الوقت أمامه لتنفيذ طموحاته[112][113]. وفي آخر أيام السلام، كان هتلر يتأرجح بين التصميم على محاربة القوى الغربية إذا اضطرته الظروف، وبين العديد من المخططات التي كانت تهدف لإبعاد بريطانيا عن دائرة الحرب. ولكن، على أي حال ما كان هتلر ليتراجع عن هدفه بغزو بولندا[80][114]. وكانت الأسباب التي نجحت في إقناع هتلر بإرجاء الهجوم المقرر على بولندا لفترة قصيرة من تاريخ الخامس والعشرين من أغسطس وحتى لأول من سبتمبر هي تلك الأخبار التي وردت إليه بتوقيع تحالف إنجليزي بولندي في الخامس والعشرين من شهر أغسطس رداً علىمعاهدة عدم الاعتداء الألمانية الروسية (وذلك بدلاً من توطيد الصلات بين لندن ووارسو كما تنبأ ريبنتروب)، بالإضافة إلى الأخبار التي وردت إليه من إيطاليا بأن موسوليني لن يلتزم بالميثاق المعروف باسم ميثاق الصداقة والتحالف بين ألمانيا وإيطاليا (بالإنجليزية: Pact of Steel) (بالألمانيةStahlpakt) (بالإيطاليةPatto d'Acciaio)[115]. واختار هتلر أن يقضي أيام السلام الأخيرة إما في مراوغة البريطانيين ومحاولة تحييدهم عن طريق "ضمان الحماية وعدم الاعتداء" الذي تقدم به في الخامس والعشرين من شهر أغسطس في عام 1939 إلى الامبراطورية البريطانية أو في إرسال ريبنتروب إلى هندرسون بخطة للسلام في اللحظات الأخيرة قبل نشوب الحرب بشرط زمني يستحيل قبوله حتى يتمكن من إلقاء اللوم على البريطانيين والبولنديين للتسبب في نشوب الحرب[116][117]. وفي الأول من سبتمبر من عام 1939، قامت ألمانيا باجتياح غرب بولندا. وأعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في الثالث من سبتمبر، ولكن لم تتخذا إجراءات فورية لتفعيل هذا الإعلان. وكان أكثر ما أثار استياء ودهشة هتلر هو تلقيه إعلان الحرب البريطاني في الثالث من سبتمبر من عام 1939، فالتفت إلى ريبنتروب وسأله: "ماذا سنفعل الآن؟"[118]. ولم يكن لدى ريبنتروب ما يقوله سوى أن السفير الفرنسي روبرت كولوندر، قد يقوم في وقت لاحق في هذا اليوم بتقديم الإعلان الفرنسي للحرب على ألمانيا[118]. ولم يمر وقت طويل حتى قامت القوات الروسية باجتياح شرق بولندا في السابع عشر من سبتمبر[119].
  
أدولف هتلربولندا لن تظهر مجدداً في الشكل الذي أعطته معاهدة فيرساي. هذا تأكيد نازي، وروسي أيضاً.[120]
   
أدولف هتلر
—أدولف هتلر في خطاب شعبي في مدينة دانزيجسبتمبر 1939


وبعد سقوط بولندا، كانت هناك فترة زمنية أطلق عليها الصحفيون الحرب الزائفة. وفي جزء يقع في الشمال الغربي لبولندا تم ضمه إلى ألمانيا، أوكل هتلر إلى اثنين ممن يحملون رتبة(Gauleiters) (القائدين النازيين الإقليميين المسئولين عن تلك المنطقة) وهما: ألبرت فورستر وأرتر جرايسر مهمة "مد سطوة اللغة والبشر والحضارة الألمانية" إلى هذه المنطقة، ووعدهما بأنهما "لن يكونا عرضة للمساءلة من أي إنسان أو جهة" عن الطريقة التي تتم بها عملية "فرض السطوة الألمانية"[121]. وقد قام كل من فورستر وجرايسر بتفسير هذه الأوامر من منظوره الشخصي. فقد اتبع فورستر سياسة بسيطة تتمثل في جعل البولنديين المحليين يقومون بالتوقيع على نماذج مطبوعة توضح أنهم من أصل ألماني دون الحاجة إلى تقديم وثائق تثبت ذلك. وفي نفس الوقت، قام جرايسر بحملة تطهير عرقي وحشية؛ فقد قام بطرد كل السكان البولنديين المحليين إلى المنطقة الواقعة تحت الاحتلال العسكري الألماني في بولندا[122]. عندئذ، اشتكى جرايسر إلى هتلر - وتلاه هيملر في شكواه - من أن فورستر يقبل آلاف البولنديين كمواطنين ألمان "من أصل ألماني"؛ الأمر الذي يعني تلويث "النقاء العرقي" الألماني. وطلب الاثنان من هتلر أن يأمر فورستر بالتوقف عما يفعله. فما كان من هتلر إلا أن رد عليهما بأن عليهما أن يقوما بتسوية خلافاتهما مع فورستر وألا يقحماه في الموضوع[123]. وتعتبر الطريقة التي تعامل بها هتلر مع المشكلة التي نشبت بين فورستر وجرايسر نموذجاً يبرهن على نظرية ايان كيرشو التي وردت في كتاب “Working Towards the Führerr”؛ وهي  أن هتلر كان يصدر أوامر غامضة ويسمح لمعاونيه أن يعملوا وفق سياسات خاصة بهم وحدهم.
وبعد غزو بولندا، نشب خلاف كبير آخر بين قوتين مختلفتين؛ تركزت الأولى حول اثنين من ضباط وحدات النخبة النازية الذين كانا يحملان رتبة SS Reichsfüherer وهماهاينريش هيملر وآرتر جرايسر؛ وكانا يناصران وينفذان خططًا للتطهير العرقي في بولندا. بينما تركزت الثانية حول هيرمان جورينج وهانز فرانك وطالبت بتحويل بولندا إلى "مخزن غلال" الرايخ [124]. وتم تسوية هذا الخلاف في مؤتمر تم عقده في الثاني عشر من فبراير في عام 1940 في ضيعة كارينهول (بالألمانيةKarinhall) المملوكة لجورينج. وقد تم حسم الخلاف لصالح وجهة نظر جورينج وفرانك القائمة على الاستغلال الاقتصادي لبولندا، وووضع حد لعملية الترحيل الجماعي التي تتم للسكان البولنديين نظرًا لأنها تعوق النمو الاقتصادي الألماني. علاوةً على ذلك، وفي الخامس عشر من مايو من عام 1940 قام هيملر بعرض مذكرة على هتلر بعنوان" أفكار للتعامل مع السكان الغرباء في الشرق" (بالإنجليزية: Some Thoughts on the Treatment of Alien Population in the East)؛ وكانت هذه المذكرة تطالب بطرد كل السكان اليهود من أوروبا إلى أفريقيا، وتحويل ما تبقى من السكان البولنديين إلى "طبقة عاملة بلا قائد". وقد علق هتلر عن المذكرة بأنها "جيدة وصائبة". وأدى تعليق هتلر على المذكرة إلى الإسراع بتنفيذ خطوات ما أطلق عليه اتفاقية كارينهول، كما أدى إلى انتصار وجهة النظر التي تبناها هاينريش هيملر وجرايسر في التعامل مع بولندا.
واستمرت بريطانيا - التي كانت قواتها قد قامت بمغادرة فرنسا عن طريق البحر من ميناء دونكيرك (بالفرنسية: Dunkerque) - في القتال جنبًا إلى جنب مع المناطق الأخرى الخاضعة لها في معركة الأطلسي. وبعد رفض البريطانيين - الذين أصبحوا الآن تحت قيادة وينستون تشرشل - عروض السلام التي قدمها هتلر.أمر هتلر بشن غارات قصف على المملكة المتحدة. وكانت معركة بريطانيا هي المقدمة التي تسبق الغزو الذي خطط له هتلر. وبدأت الهجمات بالضرب العنيف للقواعد الجوية ومحطات الرادار التي تحمي شمال شرق بريطانيا والتابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية. وبالرغم من ذلك، فشلت القوات الجوية الألمانية في هزيمة القوات الجوية الملكية البريطانية. وفي السابع والعشرين من سبتمبر في عام 1940، وقع المعاهدة ثلاثية الأطراف في برلين كل من؛ سابيرو كوروسو من الإمبراطورية اليابانية وهتلر وتشانو. وكان الغرض من توقيع هذه المعاهدة ثلاثية الأطراف - والتي كانت موجهة ضد قوة لم يتم التصريح على الرغم من أنه كان واضحًا إنها الولايات المتحدة - هو ردع الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم البريطانيين. وتوسعت المعاهدة بعد ذلك لينضم إليها كل من: المجر ورومانيا وبلغاريا. وعرفت الدول الموقعة على هذه المعاهدة إجمالاً باسمتحالف دول المحور. وبنهاية شهر أكتوبر من عام 1940، لم تكن السيادة الجوية الألمانية بعد عملية أسد البحر (بالإنجليزية: Operation Sealion) (عملية أسد البحر؛ الخطة الألمانية لغزو المملكة المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية) قد تأكدت. وأمر هتلر بالقصف - الذي كان يتم في الليل في معظم الأحيان - للمدن البريطانية، وشملت هذه المدن: لندن وبليموث وكوفينتري.

الطريق إلى الهزيمة


في الثاني والعشرين من شهر يونيو في عام 1941، قام ثلاثة ملايين جندي من القوات الألمانية بمهاجمة الإتحاد السوفيتي ضاربين بمعاهدة عدم الاعتداء التي وقعها هتلر مع ستالين منذ عامين عرض الحائط. وتعتبر الأسباب التي دعت هتلر إلى غزو الإتحاد السوفيتي من الموضوعات التي ثار بشأنها جدلاً تاريخيًا كبيرًا. وقد تم إطلاق اسم رمزي على هذا الغزو وهوعملية بارباروسا. وقد صرح بعض المؤرخين مثل أندريس هيلجروبر أن هذه العملية لم تكن إلا "خطوة مرحلية" ضمن خطة هتلر التي أطلق خطة الخطوات المرحلية" (بالألمانيةStufenplan) والتي كانت تستهدف إخضاع العالم. ويعتقد هيلجروبر أن هتلر قد وضع هذه الخطة في سنوات العشرينات من القرن العشرين[125]. وعلى صعيد آخر، يرى مؤرخون آخرون مثل: جون لوكاكس أن هتلر لم يكن لديه أبدًا خطة مرحلية لإخضاع العالم، وأن غزو الإتحاد السوفيتي كان خطوة "قام بها هتلر لغرض معين" بعد أن رفضت بريطانيا الاستسلام[126]. وقد صرح لوكاكس أن السبب الذي صرح به هتلر في حديث خاص لغزو الإتحاد السوفيتي كان بالتحديد أن وينستون تشرشل قد علق الأمل على اشتراك الإتحاد السوفيتيفي الحرب إلى جانب قوات الحلفاء، ومن ثم وجد هتلر أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يجبر بريطانيا على الاستسلام هي القضاء على هذا الأمل. وكان ذلك هو السبب الحقيقي الذي دفع هتلر إلى تنفيذ هذه العملية[126]. ومن وجهة نظر لوكاكس، فإن عملية غزو الاتحاد السوفيتي كانت من هذا المنطلق خطوة قام بها هتلر أساسًا ضد بريطانيا لإجبارها على أن تسعى للسلام معه عن طريق تدمير أملها الوحيد في النصر، فلم تكن هذه الخطوة - في حقيقة الأمر - ضد الإتحاد السوفيتي. ويعتقد كلاوس هيلدبراند أن كل من ستالين وهتلر كان يخطط منفرداً للهجوم على الآخر في عام 1941[127]. ويرى هيلدبراند أيضًا أن الأخبار التي انتشرت في ربيع عام 1941 عن احتشاد القوات السوفيتية على الحدود أدت إلى اشتراك هتلر في خطة الفرار إلى الأمام (بالألمانيةflucht nach vorn) (وتعني مجابهة الخطر عن طريق الهجوم بدلاً من الانسحاب)[127]. وتوجد طائفة أخرى من المؤرخين تضم مجموعة متنوعة منهم مثل: فيكتور سافوروف ويواشيم هوفمان وارنست نولت ودافيد ايرفينج تعتقد أن السبب الرسمي الذي صرح به الألمان لقيامهم بعملية غزو الإتحاد السوفيتي في عام 1941 هو السبب الفعلي وراء هذه العملية؛ وبهذا تكون هذه العملية "حرب وقائية" وجد هتلر نفسه مجبرًا على الدخول فيها لتفادي هجوم سوفيتي كان سيعوقه عن تحقيق أحلامه؛ ذلك الهجوم الذي كان مقررًا له أن يتم في يوليو من عام 1941. وتعرضت هذه النظرية لهجوم كبير وتم وصفها بإنها خاطئة؛ وقد قام المؤرخ الأمريكي جيرهارد فاينبرج بتشبيه المدافعين عن نظرية الحرب الوقائية بمن يؤمنون في "الحكايات الخرافية"[128].
عليها اسم "

واستولت القوات الألمانية في غزوها على أجزاء كبيرة من الأراضي التي شملت، دول البلطيق وروسيا البيضاء وأوكرانيا. كذلك، حاصرت القوات الألمانية الكثير من القوات السوفيتية ودمرتها، وهي القوات التي أصدر ستالين أوامره إليها بعدم الانسحاب. وبالرغم من ذلك، فقد وجدت القوات الألمانية نفسها مجبرة على التوقف قبيل تمكنها من دخول موسكو مباشرةً في ديسمبر من عام 1941 بسبب الشتاء الروسي القارس والمقاومة السوفيتية العنيفة. وفشل الغرو في تحقيق النصر السريع الذي كان هتلر يريده. وفي الثامن عشر من شهر ديسمبر من عام 1941، سجل هاينريش هيلمر الذي كان يحمل رتبة Reichsführer-SS في وحدات النخبة النازية في الدفتر الذي كان يدون فيه تفاصيل المقابلات التي يقوم بها سؤاله إلى هتلر، "ماذا سنفعل مع يهود روسيا؟" وكانت إجابة هتلر على السؤال: "als Partisanen auszurottenn" أو "قم بإبادتهم على أنهم أعضاء القوات غير النظامية التي تزعج القوات الألمانية المحتلة بشن الغارات المتكررة عليها"[129]. ويعلق المؤرخ الإسرائيلي يهودا باوير على هذا الموضوع بأنه يمكن اعتبار الملحوظة التي سجلها هيلمر في دفترة هي أقوى الدلائل التي يمكن العثور عليها لإثبات الأمر الصريح الصادر من هتلر بإنشاء الهولوكست.[129]

وقد وضع إعلان هتلر الحرب على الولايات المتحدة في الحادي عشر من ديسمبر في عام 1941 بعد أربعة أيام من قيام الإمبراطورية اليابانية بالهجوم على ميناء بيرل هاربور فيهاواي، وبعد ستة أيام من اقتراب القوات النازية الألمانية من موسكو في مواجهة ائتلاف ضم أكبر إمبراطورية في العالم ممثلة في الإمبراطورية البريطانية، وأكبر قوة صناعية ومالية في العالم ممثلة في الولايات المتحدة، وأكبر جيش في العالم ممثلاً في الإتحاد السوفيتي.
وفي أواخر عام 1942، لحقت الهزيمة بالقوات الألمانية في معركة العلمين الثانية؛ الأمر الذي وضع حدًا لمحاولة هتلر الاستيلاء على قناة السويس والشرق الأوسط. وفي فبراير من عام1943، انتهت معركة ستالينجراد الهائلة بتدمير الجيش السادس الألماني. وبعد ذلك، وقعت معركة كورسك الهائلة. وأصبحت قرارات هتلر العسكرية غريبة الأطوار بشكل متزايد، وأخذ الوضع العسكري والاقتصادي لألمانيا في التدهور. كذلك، تدهورت حالة هتلر الصحية. فقد كانت يده اليسرى ترتجف. ويعتقد ايان كيرشو الذي كتب السيرة الذاتية لهتلر وآخرون أن هتلر ربما يكون قد عانى من مرض الشلل الرعاش[130]. كما يشتبه في أن يكون مرض الزهري سببًا في بعض الأعراض المرضية التي ظهرت على هتلر بالرغم من أن الدليل المتوافر على صحة هذا الاعتقاد ضعيف[131].
ويعد اجتياح قوات الحلفاء لصقلية عملية هاسكي في عام 1943، تم عزل موسوليني من قبل بييترو بادوليو الذي أعلن استسلامه لقوات الحلفاء. وطوال عامي 1943 و1944، كانت القوات السوفيتية تجبر جيوش هتلر على الانسحاب بكل ثبات على طول الجبهة الشرقية. وفي السادس من يونيو من عام 1944، تمت عملية إنزال جيوش الحلفاء الغربيون في شماليفرنسا في واحدة من أكبر العمليات البرمائية التي حدثت في تاريخ العسكرية؛ وهي العملية التي تعرف باسم عملة القائد الأعلى (بالإنجليزية: Operation Overlord). وكان أصحاب الرؤية الواقعية في الجيش الألماني يعرفون أن الهزيمة حتمية، وخطط البعض منهم لإقصاء هتلر عن السلطة. وفي يوليو من عام 1944، قام كلاوس فون شتاوفينبرج بزرع قنبلة فيمركز قيادة الفوهرر هتلر المعروف باسم وكر الذئب (بالألمانيةWolfsschanze) في رستنبورج (بالألمانيةRastenburg) ولكن هتلر نجا من الموت بأعجوبة. وأصدر هتلر أوامره بالقيام بعملية انتقام وحشية تم فيها تنفيذ حكم الإعدام في أكثر من أربعة آلاف وتسعمائة شخص[132]. الأمر الذي تم أحيانًا عن طريق التجويع في الحبس الانفرادي الذي يعقبه التعرض البطئ للاختناق. وتم القضاء على حركة المقاومة الرئيسية بالرغم من أن بعض المجموعات المتفرقة الأصغر حجمًا استمرت في محاولاتها. .

الهزيمة والموت



وبحلول نهاية عام 1944 كان الجيش الأحمر قد أجبر الألمان على التراجع إلى أوروبا الوسطى، وكانت قوات الحلفاء الغربيون تتقدم صوب ألمانيا. وأدرك هتلر أن ألمانيا قد خسرت الحرب، ولكنه لم يسمح بالانسحاب. وتمنى هتلر أن يقوم بالتفاوض المنفرد من أجل السلام مع الأمريكيين والبريطانيين؛ وهو الأمل الذي دعمه وفاة فرانكلين دي روزفلت في الثاني عشر من أبريل من عام 1945[133][134][135][136]. وسمح عناد هتلر واستخفافه بأخذ الحقائق العسكرية في الاعتبار باستمرار الهولوكوست. كما أصدر هتلر أوامره بالتدمير الكامل لكل البنية التحتية الصناعية الألمانية قبل أن تقع في أيدي قوات الحلفاء. وقال أن فشل ألمانيا في الفوز بالحرب أدى إلى خسارتها لحقها في البقاء[137]. وهكذا، قرر هتلر أن الأمة بأسرها يجب أن تنتهي معه. وعهد هتلر بتنفيذ خطة الأرض المحروقة (تدمير كل ما يمكن أن ينفع العدو قبل الانسحاب من الأرض) إلى وزير التسلح ألبرت سبير الذي لم يطع أمر قائده.
وفي أبريل من عام 1945، هاجمت القوات السوفيتية ضواحي مدينة برلين. ووجد هتلر نفسه في وضع يجبره فيه مطاردوه على الفرار إلى جبال بافاريا ليتمكن من مواجهتهم في جولة أخيرة في المعقل الوطني الذي لجأت إليه الفلول المتبقية من القوات. ولكن هتلر كان مصممًا على أن يعيش في عاصمة بلاده أو يهلك فيها.
وفي العشرين من أبريل، احتفل هتلر بعيد ميلاده السادس والخمسين في "قبو الفوهرر" (بالألمانيةFührerbunker) الذي كان موجودًا أسفل مستشارية الرايخ (بالألمانيةReichskanzlei). وقام قائد الحامية المحاصرة في "حصن بريسلو (بالألمانيةFestung Breslau) الجنرال هيرمان نيهوف، بتوزيع الشيكولاتة على القوات المحاصرة احتفالاً بذكرى ميلاد القائد[138].
وفي 21 أبريل من عام 1945، استطاعت قوات جورجي جوكوف؛ قوات جبهة روسيا البيضاء الأولى أن تخترق دفاعات الفرقة العسكرية (بالألمانيةVistula) التابعة لقوات الدفاع الألمانية بقيادة الجنرال جوتهارد هاينريكي أثناء معركة مرتفعات سي لو. وكان السوفيت في هذا الوقت يتقدمون صوب قبو هتلر دون مقاومة تذكر. ومتجاهلاً الحقائق الواضحة، رأى هتلر أن الخلاص من ورطته قد يكون في الوحدات المتداعية للسقوط بقيادة الجنرال فليكس شتاينر. وأصبحت القوات التي يقودها شتاينر معروفة باسم جيش شتاينر المستقل (بالألمانيةArmeeabteilung Steiner). ولكن، لم يكن "لجيش شتاينر المستقل" أي وجود إلا فوق الورق الذي تسطر فوقه الخطط العسكرية. وقد كان هذا الجيش أكبر قليلاً من فيلق، ولكنه كان أصغر من أن يطلق عليه جيش. وأصدر هتلر أوامره إلى شتاينر بمهاجمة الجناح الشمالي من الجزء البارز الضخم في الخط الدفاعي الألماني الذي نجحت قوات جبهة روسيا البيضاء الأولى بقيادة جوكوف في اختراقه. وفي هذه الأثناء، صدرت الأوامر إلى الجيش التاسع الألماني (الذي كان قد أجبر على التحرك إلى جنوب الجزء الذي نجحت قوات المعادية في اختراقه) بمهاجمة الشمال في هجوم يمكن وصفه بإنه هجوم كماشة.





















تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

rap music

الصفحة3 ادولف هتلر

الصفحة1 ادولف هتلر